سهل
بن حُنَيف بن وهب... بن مالك بن الأوس، كنيته أبو سعيد، أسلم والنبيُّ
صلّى الله عليه وآله في مكّة، وشهد معه مشاهدَه كلَّها. كان من النقباء،
وفي طليعة فرسان المسلمين وأبطالهم، وكان له يومَ أُحد موقف مشرّف في
الدفاع عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، إذ ثبت معه وبايعه على الموت.
انضمّ إلى أمير المؤمنين عليه السلام بعد وفاة النبيّ صلّى الله عليه وآله،
فولاّه المدينة، ثمّ بلاد فارس، وقد شهد معه صِفّين وكان فيها أحدَ
قادتها، كما كان على خيل أهل البصرة ( تاريخ الطبري 11:5 ).
مآثر
• في ( تفسير الحبري:322 ) وفي ظلّ قوله تعالى: إنَّ اللهَ يُحبّ الذين
يقاتلونَ في سَبيلِهِ كأنَّهُم بُنيان مَرصُوص [الصفّ:4]، قيل: إنّ الآية
نزلت في: عليٍّ وحمزةَ وعُبَيدة، وسهلِ بن حُنَيفٍ والحارث بن الصمّة وأبي
دُجانة ).
• وفي يوم أُحد بعد أن انهزم عسكر المسلمين، كان سهل أحدَ القلّة الثابتة
في حومة المعركة، والتي دافعت بتضحيةٍ وإخلاصٍ عن الرسول، حتّى خاطبَ رسولُ
الله صلّى الله عليه وآله عليّاً عليه السلام يومذاك قائلاً له: « لقد
صَدَق معك القتالَ اليومَ سهلُ بن حُنَيف » ( المستدرك على الصحيحين للحاكم
النيسابوريّ الشافعي 24:3 ).
وكتب الشيخ المفيد في ( الإرشاد:50 ) يقول: وثبت أمير المؤمنين عليه
السلام، وأبو دُجانة وسهلُ بن حنيفٍ للقوم، يدفعون عن النبيّ صلّى الله
عليه وآله، وكثر عليه المشركون، ففتح رسول الله صلّى الله عليه وآله عينيه
ونظر أمير المؤمنين ـ وكان أُغميَ عليه ممّا ناله ـ فقال له: « يا عليّ، ما
فعَلَ الناس ؟ » قال: نقضوا العهدَ ووَلَّوُا الدُّبُر »، فقال: « إكْفِني
هؤلاء الذين قد قصدوا قصدي ». فحمل عليهم أمير المؤمنين عليه السلام
فكشفهم، وأبو دجانة وسهل بن حنيف قائمانِ على رأس النبيّ، بيدِ كلِّ واحدِ
منهم سيف ليذبّ عنه ).
وكتب الواقديّ في ( المغازي:253 ): إنّ سهل بن حنيف جعل ينضح بالنبل عن
رسول الله صلّى الله عليه وآله، فقال رسول الله لأصحابه: « نَبِّلُوا
سَهْلاً، فإنّه سَهل! ». كذلك كتب ابن الأثير: شهد سهلٌ بدراً والمشاهدَ
كلَّها مع رسول الله صلّى الله عليه وآله، وثبت معه يومَ أُحد لمّا انهزم
الناس، وكان بايَعَه يومئذٍ على الموت، وكان يرمي بالنبل عن رسول الله صلّى
الله عليه وآله. ( أُسد الغابة 318:2 ).
وذكر الشيخ المفيد بعضَ غزوات النبيّ صلّى الله عليه وآله لليهود وخروج
عشرةٍ منهم، فقتل أمير المؤمنين عليه السلام رئيسهم وجاء برأسه إلى رسول
الله صلّى الله عليه وآله وهو يقول له: « أفلَتَ أصحابُه ولم يبرحوا
قريباً، فابعَثْ معي نفراً، فإنّي أرجو أن أظفرَ بهم ». فبعَثَ النبيُّ معه
عشرة؛ فيهم أبو دُجانة سماك بن خرشة وسهل بن حنيف، فأدركوهم قبل أن
يَلِجوا الحصن، فقتلوهم وجاؤوا برؤوسهم.. وفي ذلك يقول حسّان بن ثابت:
للهِ أيُّ كريهـةٍ أبـلَيتَهـا ببني قُرَيظةَ والنفوسُ تَطَلَّعُ
أردى رئيسَهمُ وآبَ بتسعةٍ طَوراً يشلّهمُ وطوراً يَدفعُ
(الإرشاد:50)
عَينٌ أردَت!
جُلُّ مَن ترجم لسهل بن حُنَيف رضوان الله عليه ذكر إصابته بالعين.. روى
ابن الأثير أنّ سهلاً كان مع رسول الله صلّى الله عليه وآله في غزاة، فمرّ
بنهر فاغتسل منه، وكان رجلاً حَسَن الجسم، فرآه رجلٌ من الأنصار فقال: ما
رأيتُ كاليوم!... وتعجّب مِن خَلْقه، فلَبطَ به فصُرِع، فَحُمِل إلى النبيّ
محموماً، فقال صلّى الله عليه وآله: « ما يَمنع أحدَكم إذا رأى مِن أخيه
ما يُعجبه في نفسه أو في ماله، فَلْيُبرِك عليه ( أي يدعو له بالبركة )؛
فإنّ العين حقّ! » ( أُسد الغابة 318:2 ).
هذا، فيما كتب ابن عبدربّه الأندلسيّ في ( العقد الفريد 277:6 ): نظر عامر
بن أبي ربيعة إلى سهل بن حنيف وهو يستحمّ، فقال: ما رأيتُ كاليوم ولا جلدَ
مخبأة! فلبَطَ به ( أي صَرَعَه بعينه )، فأمر النبيُّ صلّى الله عليه وآله
عامرَ بن أبي ربيعة أن يتوضأ ثمّ يُطهّرَه بمائه، ففَعَل، فقام سهل بن حنيف
أنشط من عِقال. وقريب من هذا ما رواه الحاكم في ( المستدرك 412:3 )،
والبغويّ في ( مصابيح السنّة 249:3 ).
ذلك يوم مشؤوم!
النبيّ صلّى الله عليه وآله وهو على فراش الوفاة، نادى بالقوم: « جَهِّزوا
جيشَ أُسامة، لعَنَ اللهُ مَن تَخلّفَ عنه! »، لكنّ الذين سمعوا هذا أو
نُقل إليهم جَهّزوا مؤتمر السقيفة، فعُقِد للأوّل ورسولُ الله صلّى الله
عليه وآله لَمّا يرحل، ثمّ اشتهر قولان:
الأوّل ـ لأبي بكر: إنّ بيعتي كانت فَلَتةً وقى اللهُ شرَّها!
والثاني ـ لعمر: إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتةً، فَمَن عاد إليها فاضربوا
عنُقَه! ( شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي 50:2، وغيره ).
ولكنّ الذين هُدِّدت أعناقُهم ـ في الحقيقة ـ هم الذين عارضوا تلك
الفَلْتة! فيما سَلِمت أعناق المبايعين لأبي بكر والناقضين لبيبعة عليٍّ
على إمرة المؤمنين وخلافة رسول ربّ العالمين يومَ الغدير! ومع ذلك أسرع
أكابرُ الصحابة النجباء في الإنكار على ما جرى في السقيفة، كان منهم (
سَهلُ بن حُنَيف )، حيث قام في المسجد النبويّ فقال في وجوه القوم، وفيهم
فلانٌ وفلان:
أشهدُ أنّي سَمِعتُ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله قال على المِنبر: «
إمامُكم مِن بعدي عليُّ بنُ أبي طالب، وهو أنصَحُ الناس لأُمّتي » ( الخصال
للشيخ الصدوق:465 ).
• ذاك موقف، ولسهلٍ موقفٌ آخر بعد عقود.. ذكره ابنُ أبي الحديد قائلاً:
لمّا نزل عليٌّ عليه السلام ذا قار، كتبت عائشة إلى حفصة بنت عمر: أمّا
بعد، فإنّي أُخبرك أنّ عليّاً قد نزل ذا قار وأقام بها مرعوباً خائفاً لمّا
بلغه مِن عُدّتنا وجماعتنا، فهو بمنزلة الأشقر: إن تَقدّم عُقِر، وإن
تأخّر نُحِر. فدَعَت حفصةُ جواريَ لها يتغنيّن ويضربن الدفوف، فأمَرَتْهنّ
أن يَقُلْن في غنائهنّ:
ما الخبر ما الخبر ؟ عليٌّ في السفر.. كالفرس الأشقر.. إن تقدّم عُقِر.. أو تأخّر نُحِر!
وجعلت بناتُ الطلقاء يدخلن على حفصة ويجتمعن لسماع ذلك الغناء، فبلغ أُمَّ
كلثومٍ بنت عليٍّ عليه السلام ذلك، فلبست جلابيبها، ودخلت عليهنّ في نسوةٍ
متنكّرات، ثمّ أسفرت عن وجهها، فلمّا عرفَتْها حفصةُ خَجِلت واسترجعت!
فقالت لها أُمّ كلثوم: لَئِن تظاهرتُما عليه منذ اليوم، لقد تظاهرتُما على
أخيه ( أي النبيّ ) مِن قَبل! فأنزل اللهُ فيكما ما أنزل! ( أي الآيات 3 ـ 5
من سورة التحريم )، فقالت حفصة: كفى ـ رَحِمَكِ الله ـ. وأمَرَت بالكتاب (
كتاب عائشة ) فمُزِّق.
قال أبو مخنف: روى هذا جريرُ بن يزيد عن الحكم، ورواه الحسنُ بن دينار عن الحسن البصريّ.
وذكر الواقديُّ مِثلَ ذلك، وذكر المدائنيُّ مثلَه، قال: فقال سهلُ بن حنيف في ذلك هذه الأشعار:
عَذَرْنا الرجالَ بحربِ الرجـال فمـا للنسـاءِ ومـا للسُّبـابِ ؟!
أمَـا حَسْبُنـا مـا أتينـا بِــهِ لكِ الخيرُ مِن هتك ذاك الحجابِ!
ومَخرجَهُـا اليـومَ مِـن بيتِهـا يُعرِّفُـه الذّنـبَ نَبْـحُ الكـلابِ!
إلـى أن أتانـا كـتـابٌ لـهـا مَشُومٌ، فيا قُبـحَ ذاكَ الكتـابِ!
( شرح نهج البلاغة 4:14 )
• وقُبَيل وقعة صفّين ذُكرت دعوة أمير المؤمنين عليه السلام المهاجرين
والأنصار لإخماد فتن معاوية في الشام، فاقترح بعضهم أن يقوم رجلٌ من
الأنصار فيُجيبَ أمير المؤمنين عليه السلام عن جماعتهم، فقالوا: قُمْ يا
سهل بن حنيف. فقام سهل، فحَمِد اللهَ وأثنى عليه، ثمّ قال:
يا أمير المؤمنين، نحن سِلمٌ لِمَن سالَمْت، وحربٌ لمَن حارَبْت، ورأيُنا
رأيُك، ونحن كَفُّ يَمينِك، وقد رأينا أن تقوم بهذا الأمر في أهل الكوفة
فتأمُرَهم بالشخوص، وتُخبِرَهم بما صَنَع اللهُ لهم في ذلك من الفضل،
فإنّهم هم أهل البلد، وهمُ الناس، فإنِ استقاموا لك استقام لك الذي تريد
وتطلب، وأمّا نحن فليس عليك منّا خلاف، متى دَعَوتَنا أجبناك، ومتى
أمَرْتَنا أطعناك. ( وقعة صفّين لنصر بن مُزاحم:94 ).
إلى الرحمة والرضوان
تُوفّي سهل بن حنيف الأنصاريّ بالكوفة بعد عودته من وقعة صِفّين، وكان مِن
أحبّ الناس إلى أمير المؤمنين، فقال عليه السلام: « لو أحَبَّني جَبَلٌ
لَتهافت! » ( شرح نهج البلاغة لحبيب الله الخوئي 169:21.. شارحاً ذلك بكلام
للشريف الرضيّ حيث قال: ومعنى ذلك أنّ المحنة تَغلُظ عليه ( أي على
المُوالي )، فتُسرِع المصائب إليه، ولا يُفعَل ذلك إلاّ بالأتقياء الأبرار،
وهذا مِثل قوله عليه السلام: « مَن أحبّنا أهلَ البيت فَلْيُعدّ للفَقر
جِلْباباً »).
قالوا في سهل
• رُوي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام قوله: « سهل بن حُنَيف كان من
النقباء، نقباءِ نبيّ الله الاثني عشر ( أي من أمناء قومه الأمين عليهم )،
وما سبقه أحدٌ من قريشٍ ولا من الناس بمنقبة. ولمّا مات جزع عليه أمير
المؤمنين عليه السلام جزعاً شديداً، وصلّى عليه خمس صلوات » ( أعيان الشيعة
للسيّد محسن الأمين العاملي 321:7 ).
وقال عليه السلام أيضاً: إنّ عليّاً كفّنَ سهلَ بن حنيف في بُردٍ أحمر
حَبرة. كبّر عليٌّ عليه السلام على سهل بن حنيف، وكان بدريّاً، خمسَ
تكبيرات، ثمّ مشى به ساعة، ثمّ وضعه ثمّ كبّر عليه خمس تكبيراتٍ أُخَر،
فصَنَع به ذلك حتّى بلغ خمساً وعشرين تكبيرة » ( رجال الكشّي:36 ـ 37 ).
• وممّا كتبه الإمام عليّ بن موسى الرضا صلوات الله عليه للمأمون في محض
الإسلام وشرائع الدين، والولاية لأمير المؤمنين عليه السلام، جاء فيه: «
والذين مَضَوا على منهاج نبيّهم صلّى الله عليه وآله ولم يُغيّروا، ولم
يُبدّلوا، مثل: سلمان الفارسيّ، وأبي ذرّ الغِفاريّ، والمِقداد بن الأسود،
وعمّار بن ياسر، وحُذَيفة بن اليمان، وأبي الهيثم بن التَّيِّهان، وسهلِ بن
حُنَيف... » ( عيون أخبار الرضا عليه السلام للشيخ الصدوق 134:2 ـ الباب
35 ).
• وقال الفضل بن شاذان: إنّ سهل بن حنيف من السابقين الذين رجعوا ( أي بعد
رحيل رسول الله ) إلى أمير المؤمنين عليه السلام. ( الدرجات الرفيعة للسيّد
علي خان المدني الشيرازي:379 ).
• وقال ابن عبدالبَرّ في ( الاستيعاب 92:2 ): شهد سهلُ بن حنيف بدراً
والمشاهدَ كلَّها مع رسول الله صلّى الله عليه وآله، وثبت يومَ أُحدٍ معه
حين انكشف الناس عنه.
• وذكره ابن أبي الحديد في ( شرح نهج البلاغة 20:15 ) في الذين ثبتوا يومَ
أحد، وأنّه أحد الثمانية الذين بايعوا النبيَّ يومئذٍ على الموت.
• وأكّد ذلك ابن حجر العسقلانيّ، وأضاف في كتابه ( الإصابة في تمييز
الصحابة 87:2 ) قائلاً: وكان ينضح عن رسول الله صلّى الله عليه وآله
بالنَّبْل.
• فيما كتب السيّد علي خان المدني الشيرازي: سهل.. كان بدريّاً جليلاً مِن
خيار الصحابة، وقد أبلى في أُحدٍ بلاءً حَسَناً. ( الدرجات الرفيعة:378 ).
• وقال السيّد محمّد مهدي بحر العلوم في ( رجاله 36:3 ): استخلَفَه عليٌّ
عليه السلام على المدينة حين خرج إلى العراق، واستعمله على فارس، وولاّه
البصرة، وشهد سهلُ بن حنيف صِفّين مع أمير المؤمنين عليه السلام، وكان مِن
شَرَطة الخميس، وهم الذين اشترطوا على أنفسهم القتال، وضَمِن لهم أمير
المؤمنين عليه السلام الجنة. تُوفّي بالكوفة بعد الانصراف من قتال أهل
الشام سنة 38 هـ، وكفّنه الإمام عليّ عليه السلام في بُردٍ أحمر وحَبرة،
وكبّر عليه خمساً وعشرين تكبيرة.
• وقال الميرزا حبيب الله الخوئي في ( شرحه لنهج البلاغة 170:21 ): سهل بن
حنيف، من الأنصار المخلصين للنبيّ وللوصيّ عليهما السلام، ومن السابقين
الأوّلين الذين رضيَ الله عنهم ورَضُوا عنه، وأعدّ لهم جنّاتٍ تجري من
تحتها الأنهار.
منقووول
الرئيسية 
اللهم صلي على محمد واله محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم
نورو قلوبكم بذكر محمد وال محمد
من اقوال المولى المقدس السيدالشهيد الصدر قدس الله سره الشريف 
